إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

في حب اليمن !



هل يكفي حبك لبلادك أن يجبر فيه الكسور ؟ أن يصنع له الإنتصارات والتقدم ومواكبة هذا العالم الذي يسحق في الحقيقة بلادك ويسحقك معه لأنك مواطنا له ؟ 




قال أمين معلوف : الوطن الذي بوسعك العيش فيه مرفوع الرأس، تعطيه كل مالديك ويجعلك تضحي من أجله بالنفيس و الغالي حتى بحياتك ، أما الوطن الذي تضطر فيه للعيش مطأطىء الرأس فلا تعطيه شيئا "

في اليمن قد تحمل هذه العبارة وجهان منها ، رغم البؤس الذي خلفته الحرب و الأزمات التي أنجبت الفقر والتهجير و التشرد وبعثت سياسة القمع والرجعية والإعتقال ومحاربة كل صوت هو ضد الآخر .. إلى أنك حين تقضي الحياة في اليمن ترى بها العجب الذي يجعل الدهشة لا تفارق تفكيرك حين ترى الواقع ومعايشة الناس له وحبهم الكبير لهذه البلد التي لم ترفع رؤؤسهم ولم تقدم لهم أي إمتيازات سواء كانوا مواطنون أم مغتربون . وترى في الضفة الأخرى من هم لم يعطوا الوطن شيء لكنهم انتهكوا فيه كل شيء ...

 أتساءل كل صباح حين استيقظ لما كل هذا الحب و التضحية لبلاد مثلها ؟ هل مفهوم الأخذ دون عطاء هي شكل من تعاريف الوطن ؟ ثم كيف نحدد إن كنا مواطنين صالحين حين نقبل بالعيش في بلاد أمضت التاريخ كله حروب وتشريد لأبناءها

في عبارة  أخرى لمكسيم غوركي الكاتب الروسي قال : إن الحمقى وحدهم يجدون الحياة بسيطة " فهل نحن نندرج تحت هذه العبارة  حين نجد الحياة البسيطة جدا شيء جميل حتى أن العالم يضرب أقوال المديح فيها ؟ ونشتاق لها ما أن نفارقها ونكون في بلاد أكثر تحضرا وأكثر حفظا على حياة الإنسان ، هل نحن حمقى بالقبول بالواقع كيفما كان يقلبنا وتعايشنا مع الأزمات ونقبل البديل حينما يكون الأساس معدوم بدلا من ايجاده  ؟

تكلف الحروب الكثير لشعبها ، وفي اليمن كلفت النفيس و الغالي ، لكن يظل الصمود يواجهك حين تعبر شوارع البلاد ، الصمود الذي هو في الحقيقة استسلام و يأس يلوحان لك في العيون العابرة .
كيف لنا أن نقدم من هذه القطعة التي أكلتها الصراعات وطنا حيا محترما ،كيف لي أن أجيب على سؤال ماهو الوطن ؟ و  كيف لنا أن نقول أن مفهوم  الوطن شيء ليس بهذه الصورة . حدود تحافظ على حياتك  لا تقتلك . تؤمن لك مستقبل وتثمر لك الأحلام فيه لا تجهضها . 
الوضع أصعب هنا لمن هم هاجروا بعيدا وقطعوا مسافات طويلة لبلدان قد يكون بعض من فيها لايعرفون أين هي اليمن ؟ كيف سيجيبون هؤلاء حين يسألهم أحدهم عن وضع بلدهم ؟ كيف يفكفكون أحجية الصراع السياسي والحرب القائمة والشعب العالق بين فكيها .. أرى الكثير يحاولون تبسيط المسألة لكنها أصعب من أن تبسط هي ثلاثة أعوام من الحرب و المدن التي فقدت معالمها 


أنا التي قضيت حياتي كلها في الإغتراب  وفي حب الوطن و التغني بلهجته ، وقبل مايقارب العام ونصف عدت إليه كما يعود الكثيرون له الآن .. لم أعش ظروف الحرب والأزمات منذ البداية ، لكني أشهد ماخلفته الحرب ، أعيش القتال كل يوم وأنا أحاول الحفاظ على ماتبقى من حب الوطن بداخلي ... في الحقيقة حين تجتاز الحدود و أنت عائد له تجد نفسك في شوق كبير للكشف عن تفاصيل وطنك ثم يتلاشى أملك بكل هدوء ويغادرك  ، تعصرك الحياة و أنت تصادف قصص من عانوا من ويلات الحرب .. من فقد بيته / أهله / مستقبله والكثير فقدوا أنفسهم ..والأكثر شواهد القبور المتناثرة وصور من راحوا ضحايا  قاتلين و مقاتلين ومقتولين  .
أخيرا " لايعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن ، لايعرف الإنسان كيف يموت في هذا الوطن " نزار قباني .




  *كتب في قلب التعاسة -  صنعاء

السبت، 17 أكتوبر 2015

صنعاء و القصر غمدان .

أدى الإنتشار و التفخيذ لقبائل قحطان إلى تكوين بني قحطان من خلال أجيال كثيرة و فترة زمنية طويلة ، و قد عامر بنو قحطان خلال التكوين إخوانهم العرب من القبائل و منهم ( العمالقة و كنعان و أشوذ و لاوذ و فاران و أميم و عبد ضخم و بني مطر و غيرهم ..)
اقترن بداية العصر البرونزي بوحدة قبائل بني قحطان بزعامة يعرب يمن بن قحطان و كان من أعاظم الملوك كما ذكر ابن خلدون ، وهو الذي ملك بلاد اليمن و اسماها على اسمه يمن بعد التوحيد ، وغلب قوم عاد العمالقة في الحجاز و ولي جرهم بن قحطان  على الحجاز و حضرموت بن قحطان على جبال الشحر و حضرموت ، وعُمان بن قحطان على عُمان و سميت بإسمه . " وهم ليسوا أبناء قحطان مباشرين إنما هم من سلالته " 
ولي يعرب أخوته على جميع أعمال و مقاطعات اليمن الثلاثة عشر منهم أزال بن قحطان الذي قام ببناء مدينة أزال ، فبنيت على سفح جبل نُقم بين الجبلين نقم و عيبان . 
و تدل القرائن أن أزال أخو يعرب بن قحطان و بناها في أوئل الحضارة البرونزية و التي شهدت تطورًا هاما حيث أصبحت المدينة الثانية الرئيسة و مقرًا للملوك و تم تشيد البيت غمدان فيها و ذلك في عصر دولة سبأ الأقدم و ذكرت أزال في أنباء أربعة ملوك حكموا الألف الثاني ق.م. منهم : 

الملك وائل بن حمير : 
هو الملك وائل بن حمير بن عبدالشمس ملك سبأ ، قال ابن خلدون " مَلك عبد شمس و بنى مدينة سبأ و سد مأرب ، وهلك قبل أن يتم بناءه فأكمله بعده ابنه الملك حمير و حكم و قيل هو أول من تتوج بذهب ، ثم ملك بعده ابنه وائل بن حمير و تغلب على أخوه مالك بن حمير على عُمان ، و اتخذ الملك وائل مدينة أزال مقراً له و هو أول من فعل من الملوك ذلك . 
عاش النبي إبراهيم عليه السلام مدى عمر هؤلاء الثلاثة ( عبد شمس و حمير و وائل ) و يبدوا أن الملك وائل إنتقل إلى أزال بعد أن خرج عليه أخيه مالك ، فاتخذها مقرا لأنها في وسط اليمن و قاد منها الحرب ضد أخيه .. و كان الملك ابنه الضحكاك بن سكسك يحكم معه و نائب له . 

يقول الهمداني " مدينة صنعاء أم اليمن و قطبها لأنها في الوسط بينها و بين عدن كما بينها و بين حد اليمن من أرض نجد و الحجاز ، و كان اسمها أزال " 
و قد ولى الملك وائل ابن أخيه نجران بن زيدان على منطقة نجران و به سميت البلد كما يقول ابن خلدون . 



الملك الضحكاك بن سكسك بن وائل بن حمير : 
و هو الذي قام ببناء قصر غمدان البناء الأول ، و سماه على اسم كوكب الزهرة كما دلت النقوش ، قال ابن خلدون " قصر غمدان بن الضحكاك و حجت إليه الأمم " و قال الرازي أول حجر و ضع في غمدان بناه شراحيل الحميري و بنى القصر بعد آل شرح يخضب بألف عام . أصبحت أزال في عهد الضحكاك مدينة دينية و عاصمة و مقرًا لعبادة الآلهة مثل ( عثتار - و حوريس ) و كان غمدان آن ذلك دار عبادة .. مات الضحكاك و استمرت أزال مدينة رئيسية و مقرا للعبادة عدة قرون . 

الملك شداد بن شمس بن عاد بن الملطاط بن الضحكاك : 
جاء ذكر غمدان في عهد الملك شداد وكان من عظماء ملوك حمير و عاصر الحموراي ملك بابل و سار لمناصرته إلى بابل و أشور . يقول الهمداني : " عاد شداد و لم يدخل غمدان إنما اتجه إلى مأرب و بنى فيها القصر العتيق ، فلم يدع في اليمن من جواهر و عقيق و لا بأرض بابل و أرسل يجمع فجمع أنواع جواهر الدنيا من الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص ، فبنى فيها و رصعه بجميع ذلك و جعل في أرضه زجاجا أحمرا و أبيض و جعل تحتها أسرابا أفاض إليها ماء السد ، فكان القصر لم يكن مثله في الدنيا .. ثم مات الملك و دفن في مغارة بجبل شبام . 

الملك الحارث بن الرائش بن آل شداد : 
جاء ذكر غمدان و مدينة أزال في عهد الملك الحارث و هو أول ملوك سبأ التتابعة و كان في عصر النبي موسى عليه السلام ، و جاء ذكر أزال في عهد الملك أنه سار يغزوا من أزال الترك في الشام و مايليها من بلاد الترك إلى ان بلغ بنات نعش في أرمينية و ذلك في عصر موسى عليه السلام، ثم مات و حكم بعده ابنه ذي المنار و بعده ابنه ذو الأذعار بن ذي المنار ثم أخوه الملك أفريقيس بن ذي المنار إلى أن انتهت مدينة أزال كمدينة دينية سياسية بسبب تحولات سياسية في نهاية العصر السبئي و مالبثت أن تأسست مدينة صنعاء بدلاً عن أزال ، و ارتفع مكان معبد غمدان و أصبح قصراً عظيم . 

**

بنى مدينة صنعاء الملك هلك أمر بن كرب ملك سبأ و ذي ريدان ، و قد ذكر ترتيبه قبل الملكة بلقيس و زمن سليمان و بينت النقوش الأثرية الآتي : 
أن مدينة أزال انتهت و تعرضت للدمار بسبب التحولات السياسية و الدينية ، وبصفة التحول من عبادة الآلهة السابقة إلى الإله ( إلمقه) حيث بدأ العصر الثاني لملوك سبأ التتابعة و الذي يحمل ملوكه في نقوش السند معبد أوام ( حرم بلقيس ) و معبد باران ( عرش بلقيس ) لقب ملك سبأ و ذي ريدان و قد كان أولهم زمر علي وتار يهنعم بن سمهعال ثم زمر علي ثم كرب و ابنه هلك أمر 
قام الملك هلك أمر بإختطاط صنعاء و بناءها مكان مدينة أزال و أسكن صنعاء قبائل سبأ  و هو أيضا أول من شرع في تشييد قصر غمدان بعد بنائه القديم ، و هو الذي سمى صنعاء بإسمها صنعان أو صنعن .
ذكر الهمداني أن آل شرح يخضب سيد قصر غمدان ، و كان القصر بناء واحداً فقام ببناء تعلية قصر غمدان حتى أصبح قصرا عظيما ، جاء في عدد الطوابق و ارتفاعه ثلاثة أقوال جميعها صحيحة : 
أنه كان سبعة سقوف في عهد هلك أمر إلى عهد بلقيس ثم قام آل شرح بتجديد ذلك و تعلية غمدان عشرة أسقف ثم جرى بعد ذلك تعلية غمدان عشرين سقف . 


جاءت الزيادة التي تمت بعد ذلك لم تكن في القصر و إنما إلى جواره بحيث صار غمدان عدة قصور و مباني جميعها في فناء واحد .. ويمكن القول أن الملك شعرام أوتر قام ببناء في غمدان إلى جوار القصر واستمر ذلك في عصور تالية حيث أصبح غمدان يضم القصر و عدة مباني و مساكن في فناء واحد . وآخر مابني في غمدان قصرا زجاجي و قد بناه أسعد الكامل وهو أسعد الثاني . 
كان آخر ملك أقام في غمدان هو " يوسف أسار ذو النواس " حكم عام 515م و حكم بعده الملك سُميفع ذو الكلاع و يزن . و انتهى عهده بالغزو الحبشي المدعوم من الرومان . وهدم إرباط الحبشي جانيا كبير من القصر أثناء المقاومة في الحرب . 

يقول ابن هشام : " بينون وغمدان من القصور التي هدمها إرباط الحبشي و التي لم يكن لها مثيل " 
و يقول ابن خلدون : " قسما من غمدان بقى شامخ . فلما قضى الملك سيف بن ذي يزن على الأحباش استقر في غمدان " 



و للحديث بقية . 

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

تاريخ أُم اليمن صنعاء . -1-

صنعاء كانت و مازالت المدينة الشهية للباحثين عن تاريخها ، فتناول الكثيرين في ذكر أخبارها في الكتب ، وتناقلت الروايات  و الأساطير حولها .. بعضها ما هو صحيح وثبتت صحته في النقوش التي وجدت و تعود للحضارات و العصورة التليدة . 
هنا سأطرح بعض مما قرأته من كتاب للمؤرخ اليمني محمد الفرح عكفت على قراءته و تحدث عن بدء التكوين منذ العصر الحجري حتى زمن الملك سيف بن ذي يزن ، و يطول الحديث عن ذلك  و سأختصر بعض ما جاء لذا وجب تقسيمه لسلسلة تدوينات تتناول بالترتيب الأحداث لتاريخ صنعاء القديم .. 


تعد مدينة صنعاء من أقدم المدن على وجه الأرض ، أقيمت هذه المدينة على أنقاض مدينة أزال التي بناها (أزال بن قحطان بن هود عليه السلام ). و استمرت أزال زهاء أربعة آلاف و كانت اول مدينة اختطت باليمن وبنتها عاد ، ثم حلت محلها وبنيت صنعاء على يد الملك ( هلك أمر كرب ملك سبأ و ذي ريدان ) و سميت منه . و كانت مدينة أزال ثاني مدينة رئيسية في اليمن في الألف الثاني ق.م. حيث جاء ذكرها في أنباء خمسة ملوك بكتب التاريخ منهم الملك ( الضحكاك بن سكسك ) و الذي ذكره ابن خلدون أنه من بنى قصر غمدان في صنعاء 

جاء تأسيس صنعاء في اسطورة أن بناها هو سام بن نوح ، و كون صنعاء أقدم مدينة في الأرض يتحقق ببناء أزال بن قحطان اياها و يرى في أصل القول بتأسيس سام بن نوح لمدينة صنعاء هو أن سام بن نوح و اللذين معه من أبناء سام استقروا في صنعاء و لم تكن في ذلك الزمن مدينة ، و إنما استقروا في كهوف و سفح جبل نُقم فكان سام بن نوح و اللذين معه سكنوا الكهف في العصر الحجري و زمن سام يعود إلى ما قبل الألف العاشر ق.م و هو زمن سابق لتأسيس المدن في تاريخ الإنسانية 
و يذكر  مسيرة الحياة الإنسانية في اليمن قد تواصلت في العصر الحجري ، ثم انتقلوا إلى عصر الحضارة الزراعية و تربية و استخدام الحيوانات و تأسيس القرى و التجمعات السكنية ، حيث دلت الدراسات أنه كان يسود الجزيرة العربية مناخ دافىء تكثر فيه الأمطار ، و هناك دلائل على أن الماشية بما فيها الجاموس و المعز و الشاة قد دجن و استخدم إقتصاديا في اليمن قبل أن تدجن و تسخدم في العراق و مصر ، و بذا يكون العرب اللذين اطلق عليهم ساميون أول من أخترع الزراعة التي تعتمد على الري و أول و أقدم من مارس الفلاحة و الزراعة ، فالعرب إذا هم أول من أسسوا الحضارة الإنسانية في أقدم مراحلها . 

كان سكان اليمن أنذاك هم من قبيلة عاد و إخوانهم من قبائل العرب العاربة السامين الاوائل و قد سماهم ابن خلدون الطبقة الأولى من العرب العاربة و قال عنهم :" هذه من أقدم الأمم بعد قوم نوح و أعظمهم قدرة و أشدهم قوة و أول أجيال العرب " و هؤلاء العرب شعوب كثيرة منهم ( عاد - ثمود - أميم - العمالقة - عبد ضخك - جرهم -حضرموت -حضور - السلفات .. ) و كانت حضارة عاد أقدم الحضارات الإنسانية بعد طوفان نوح عليه السلام ، و بعث الله لهم النبي هود عليه السلام و هو والد قحطان  ولما أهلك الله عاد نجا هود و اللذين معه و ابنه قحطان و مات النبي في شرق وادي حضرموت 
و قد انتقلت تلك الأمة إلى حضارة الزراعة بزعامة قبيلة عاد ، يقول  ابن خلدون : " عاد هم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام و كانت مواطنهم باحقاف الرمل و رمال الأحقاف بحضرموت و هي جبال في اليمن بين عُمان و حضرموت و جاء في الاكليل أن قبيلة عاد ملأت جانبًا من الأرض و تفخذت و صارت إحدى عشر قبيلة  و كانت عاد زعيمتهم . 



كانت هذه القبائل الثلاث المنحدرة من قحطان تقيم في المقاطعات ومنها حضرموت و التي سميت البلاد بإسمها ، و أوفير وتسكن مرفأ بحري قديم و حويلة و المراد بها بلاد الأحقاف و قبيلة شيبأ وهي سبأ التي تنسب إليها الدولة السبئية و إنتشرت من المخأ إلى ظفار شرق عُمان . 




يتبع ماتبقى في جزئية أخرى ............ 



الاثنين، 8 سبتمبر 2014

حين زرت الوطن (٢) ..

عادة السلام تلك لا أنكر أني تعلمتها سريعاً  ، ومارستها خلال زيارتي على أقربائي حين ألتقي بهم .. 

كانت محطة الزيارة  والمدينة التي أخذتني في 
أحضانها أولاً هي تعز ، بجوها المشابه للجو الذي أعتدنا عليه في الغربة . إنطلقنا من تعز لرحلة إستغرقت ساعة إلى  " الأصابح " حيث مسقط والدتي وبيت جدتي .. 
كان المنزل  كما كنت أسمع وأرى عن المنازل الريفية ، فلأول مرة أرى البقر والحمير وألامسهم ، ولأول مرة وآخرها أخوض محاولة فاشلة بحلب بقرة  ، ولأول مرة أشرب حليباً طازج  . وأرى مجالس القات للرجال والنساء ..!  
رأيت في تلك العطلة مالم أره في الغربة ، وماكنت أسمعه من زميلاتي في المدرسة . وأسأل أمي عنه ، كم خالة لدي، وكم عمة أملك ؟ أجدي  عائش ؟ لما لا يأتون إلينا مثل البقية ؟ لما لا نراهم ؟ لما فقط نسمعهم في شريط مسجل ونحادثهم أيضاً بشريط مسجل ..؟ بعودتي بددتُ كل تلك التساؤلات ، وأخذت أفرق بين العمة والخالة ، فكان لديّ إلتباساً في الألقاب  لأني لم أستخدها هناك قط .. و أشياء أخرى ، منها ممارست اللهجة والنطق بأريحية دون أن يستهزيء أحد بي .
 

لا أذكر كم لبثنا في تعز حينها ، لكن تنقلنا مابين منطقتين هناك هما " الأصابح - والتربة " ، حتى أتى موعد سفر آخر وكان هذه المرة  برفقة خالي متجهين لصنعاء ، لإستكمال باقي الزيارة .. 

تستعيد ذاكرتي بعض التفاصيل كطريق السفر بين تعز وصنعاء ، ومرورنا بمناظر خضراء بهية منها البركاني  حين كان مايزال يكتسي اللون الأخضر ووادي الضباب  والباعة الصغار على جانبيّ الطريق ، وشجرة الغريب قبل أن يتم وضع سور حولها .. طريق سمارة الذي مازال يحافظ على جماله ...  
 
 وصلنا إلى  صنعاء التي أستقبلتنا عصراً بجوها البارد ، وبمنزل خالتي التي أذكر أن أمي حكت لنا عن أبنتها الوحيدة المدللة  وكيف أننا سنكون أخوة لها لإقامتنا في منزلهم  . . 

عشت في صنعاء أيام أكثر من تعز ، وذكريات أعمق أحملها لليوم ، وأصبحت صديقة للكثيرات أراهم في كل زيارة  . 
فبساطة من هم هناك جعلوني أندمج سريعاً بالأجواء والمعيشة ، فلا تحتاج لتعامل مع الناس إلا أن تقاسمهم البساطة حينها ، أذكر ركوبي لأول مرة في باص التنقل ، وتعجبي الأخر كان أنه ليس هناك في الغربة باصات مثلها ، وإنقطاع الكهرباء بعد المغرب الذي لم أعتد عليه .
أذكر زيارتي لحديقة الحيوان والثورة والسبعين والوقوف في نفس المكان الذي التقط به صورة حين كنت أبلغ عام ..وزيارتنا التي بدأ مشوارها من السابعة صباحاً إلى دار الحجر .أذكر خالتي -رحمها الله- وتعلقها الشديد بي لدرجة أني كنت أبيت الليل في غرفتها .. 
أذكر دهشتي بالعدد الكبير من الأطفال المتسوليين في الشوارع والباعة الصغار .. وباب اليمن كأول مرة أزوره ..  

كاأشياء أول مرة أراها ،كان لها وقع فريد على قلبي ، جعلتني أرتبط حباً بها .. وشوقاً للعودة. 
كانت تلك الإجازة أصنفها الأجمل ، رسمت لي معنى أن تعيش مع الأهل ، الذين حرمنا من تواجدهم في الغربة ، معنى أن تنام وتأكل وتلعب في بيت خالتك .. معنى أن يدللك جدك ، وتغمرك جدتك بحبها .. معنى أن تكون محط أنظار الجميع بأنك المغترب الذي عاد .. ومحط أعجابهم بأناقتك التي أتيت بها ، معنى أن تشارك أشيائك مع أبناء خالاتك وعمتك لأنك تحبهم ، حتى قد تهديهم غرضاً يخصك كتذكار منك .. معنى كيف يكون طعم التعلق بالوطن ، وحبه والشوق للعودة له .. 
لكن بعد كل زيارة كنت خاسرة ، فخسرت بعد زيارتي الأولى جدي رحمه الله - وخسرت بعد زيارتي الثانية خالتي وإبنة خالي . رحمة الله عليهم .. 
وبزياراتي الأخيرة خسرت الوطن الذي زرته أول مرة ، خسرت إعجابي ودهشتي لأشياء جميلة ، وتحول الإعجاب لأشياء  مختلفة : كنقطة تفتيش قبيلة ، أو نقطة تفتيش لأتباع الحوثي - سيارة معلقُ بها عشرات الرجال المسلحين - تكدس القمامات - صوت إنفجارات - أو صوت رصاص إشتباك - أو منزل مر على جدرانه الرصاص فتركه مهدوم .. الخ من الأشياء التي يعايشها المواطن بشكل طبيعي وأراه أنا بتعجب  .. 

خسر الوطن الأمن والأمان والنظام ، وخسرت أنا الوطن الذي أدهشني قبل ثلاثة عشر عاماً .. 

حين زرتُ الوطن ..(١)


----- 
كثيرون من هم مثلي ، ولد بأرض غير الوطن ، وتربى وعاش بها ، دون أن يزور الوطن ، ثم فجأة قرر أهله زيارة هذا الوطن ، وأحيائه في عقله وقلبه .. من هو محظوظ هو من زاره ، ومن لم يزوه لن يعرف  طعم الوطن ... 
 
ببضع دقائق شيء دفعني للكتابة عن زيارتي لليمن كأول مرة أفهم فيها أن لي وطن إسمه اليمن .. 

-----  



لطالما كان الإنتماء والإعتراف بالوطن شيء مقدس لدينا في عائلتي  ، لكن لم أكن أفهم ذلك  ، فحين كنت صغيرة في الإبتدائي ، لم أعلم أني مختلفة إلا بالوقت الذي كان ينادى بإسمي لأخرج من الصف وأتلقى إشعاراً عليَّ إبلاغه لوالدي بشأن قرب إنتهاء موعد الإقامة ، كان الأمر يسبب لي حرج كباقي الفتيات العربيات .. 
بدأت المدرسة تريني إختلافي في الجنسية ، ومالميزات التي أحرم منها لكوني غير سعودية ، كانت المدرسة هي البيئة التي تغذي الطلاب بالعنصرية من الصغر .. بالتفريق بين الطلاب ، فهؤلاء أجانب ، وهؤلاء سعوديين .. 


حين كنا صغاراً إنقطع والديَّ عن السفر لظروف معيشتنا التي مررنا بها ، كان الإنقطاع عشرة أعوام أظنه ، حتى أتى موعد القيام بزيارة للوطن وكان عمري حينها ١١ عام .. 
لا أذكر قبلها اليمن فآخر سفرةٍ لها كنت أبلغ عام بقول والدتي ، التي ترينا صوراً ألتقطت لنا هناك أنا وأختي قبل أن تلد أخي ، مع أفراد كثر أجهلهم .. 

احدى الصور مازالت معي تشاركني الغرفة ، ألتقطت  في حديقة السبعين عام ١٩٩١ نقف أنا وأبي  وأختي بجانب سور الحديقة من الداخل .. 
لا أتذكر أي شيء عن زياراتي لها ، وحديث أمي عن تلك الزيارة هو ماكنت أحتفظ بهِ بجانب الصور .. 

بعد تخرجي من الإبتدائي .. وتخرج أختي من الإعدادي ، أخبرونا  أننا سنعود لليمن  في هذه العطلة ، ردة فعلنا كانت سلبية لم يتوقعوها ،كان رفضنا  أننا سنترك العيش هنا  لنذهب لليمن التي كانت مخيلتنا ترسمها على أنها بلد فقير جداً ليس فيه إلا جبال وأراضي زراعية ، ويخلو من رفاهية الحياة التي كبرنا عليها . 
كنت معهم أبكي وأرجوهم أن لا نذهب لكن كان حديث أبي يحاول أن يصحح لنا تلك الفكرة الباطلة التي في مخيلتنا محاولاً طرد الأشياء السلبية التي سمعناها عن اليمن .. 
حين بدأ التحضير لسفر بشراء الهدايا والملابس الجديدة ، والتسوق لأشياء كثيرة ، تغيرت ردة الفعل فأصبحت بدلاً من خوف  ، شوق للتعرف  وفرح .. 

أذكر أننا حين وصلنا لليمن لأول مرة ، وصلنا إلى تعز ، بوقت الظهيرة كان حينها الوقت حار ، والمكان مزدحم في موقف الباصات ، وكنت متعبة من عناء الرحلة التي كلفتنا ليلتان في الطريق .. 
قدِم  خالي الأصغر ليستقبلنا ، وكنت أجهله .. لم أره قبلاً إلا بصورة ولم أهتم بمن هو ، خالي كان أم عمي ! 

سلمّ علينا وكان أول ماتعجبت له  ، هو طريقة السلام التي جهلتها وراحت مخيلتي الصغيرة ترسم أن السلام بتقبيل اليد كما في التلفاز ، ولم أدرك أن باليمن عادة السلام لدى البعض بتقبيل يدك ويده بنفس الوقت .. .. 

- يتبع 

الأحد، 1 يونيو 2014

أمل

 أمالهُ لم تمتْ 
أضحت ونيسهُ في الخفا 
يحكي لها أيامهُ 
كيف غدت من بعدها 
يشكي لها عن حالهُ
عن قلبه وشقائهُ ..
 فيما العناء تُجيبهُ ؟ 

فيتمتمُ

سنوات عمري قد مضت 
شبتُ بدون عيونكِ 
شاب الفؤاد ببعدكِ
أين الهناء بفقدكِ ؟ 
ورحيلكُ مازال فيَّ إنكسار ؟
أنا دونكِ صمتُ 
يؤنسهُ النواح 
طيرُ يحط بلا جناح 
عمراً يمرُ في إحتياج 
لسماع بحة صوتكِ
أنا ياأمل أحيا 
بذكرى من أمل 
تبقيني في الدرب 
الذي قد خطهُ
 لنا الامـل ...
27/5/2014

الثلاثاء، 28 يناير 2014

اليمن بعيون زائريها ...

اليمن بعيون زائريها ..!
من يزور اليمن للمرة الأولى يضع إنطباعاً يحمل جانبين ، أحدهم سلبي ، وأخر إيجابي .
وفي كلاهما تجد متعة الإستماع لما قد نال إعجاب الزائر ,, وحزن سماع إنتقادات ونقص في الخدمات .
أحاديث العائدون من اليمن لطالما جذبني سماعها ، خصوصاً حين يكون الحديث عن بساطة العيش فيها ، وبساطة مسيرة الحياة ، رغم الفقر الذي يغطي مرجها وجبالها وسهولها ، إلا أن يمنحها حُلة تميزها عن باقي الدول ..
كنت متابعة لزيارة الكويتي جاسم المطوع منذ فترة  لليمن ، طرحه لتلك الكلمات الجميلة تجاه اليمن أسرتني ، وطرحه أرائه لأجوائها التي قد تحمل الفصول الأربعة في يوم واحد  ومنظارها وتراثها وحتى أكلاتها الشعبية التي لا يفوتها أي زائر ، والأهم إكرام الشعب له ، جعلت متابعينه يتعرفون على  الجانب الإيجابي لليمن الذي غطته مايجري في البلاد من أمور سياسية .
لكن حين أرى صورة تحمل منظر لطبيعة بجانبها يظهر تشويهاً سيء لصورة ، كرصيف مهدم ، أو نفايات متراكمة ، أو فوضوية السير ، والأسواق العشوائيه ، وطفل بائع ، هنا أتمنى أن يغض زائرين اليمن النظر عنها .
لكن وإن غضو النظر عنها كيف يمكن أن نغض النظر عن مطاراتها في كل المدن و التي تفتقد الكثير وغير مؤهلة  كمطارات دوليه ، تستقبل سفراء ووزراء وسائحين من كل البلدان ..؟
تكرر حديث يتناقله كل جيل ، عن تجديد المطار ، وبناء غيره أكبر ويحمل مؤهلات أفضل ، ولا نرى سوى السراب لهذا ..؟
الإنطباعات  السلبية المتواجده في اليمن ، بإمكان الحكومة العمل على تصحيحها ، وإظهار صورة حسنه لليمن قدر الإمكان ، فلا أعتقد أن دولتنا فقيرة إلى درجة عدم قدرتها على تهيئة مطار دولي يستقبل جميع شرائح المجتمع ، ويودعهم .
أو غير قادرة على توفير براميل نفايات في بعض الأحياء السكنية بدلاً من تخلص من النفايات في أرض جرداء ، أو سكبها بوسط الطريق ..؟
أو اقل مايمكن سفلتت الشوارع الفرعيه للأحياء وإعمار طريق ؟
بالحيّ الذي أسكنه حين أعود للوطن  لا تتوفر فيه براميل نفايات لم يصدف أن رأيت برميل نفاية بالقرب من المنازل ..! وأيضاً يحتاج إلى رصيف وسفلته ، رغم أن الحكومة قد أنذرت مواطنين بإخلاء البيوت لشق طريق يأخذ جزء من المنزل ، لكن لازال هذا كله كلام يقال ولا أفعال توجد ..

يجب منح زائرين اليمن ترحيباً يشرف اليمن أولا ويشرفنا كمواطنين ،  فحديث عن حجم المطار وخدماته السيئة من زائر أتى إلى اليمن لا أكون سعيدة لسماعه . !

تبقى الأرض المباركة ، تمنح زائرها محبة لها ، ومتعة الزياره والعودة لها .. فمن زار اليمن قلبه سيتعلق بطبيعتها ، وسيحزن لإهمالها ..