إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018

في حب اليمن !



هل يكفي حبك لبلادك أن يجبر فيه الكسور ؟ أن يصنع له الإنتصارات والتقدم لمواكبة هذا العالم الذي يسحق في الحقيقة بلادك ويسحقك معه لأنك مواطنا له ؟ 


قال أمين معلوف : الوطن الذي بوسعك العيش فيه مرفوع الرأس، تعطيه كل مالديك ويجعلك تضحي من أجله بالنفيس و الغالي حتى بحياتك ، أما الوطن الذي تضطر فيه للعيش مطأطىء الرأس فلا تعطيه شيئا "

في اليمن قد تحمل هذه العبارة وجهان متناقضان، فرغم وسعة البؤس الذي خلفته الحرب و الأزمات التي أنجبت الفقر، التهجير، التشرد وبعثت سياسة القمع والرجعية والإعتقال، ومحاربة كل صوت هو ضد الآخر .. إلى أنك حين تقضي الحياة في اليمن ترى بها العجب الذي يجعل الدهشة لا تفارق تفكيرك حين تشهد على الواقع ومعايشة الناس له وحبهم الكبير لهذه البلد التي تقطع عليهم طريق الأمل، ولم تقدم لهم أي إمتيازات إن كانوا مواطنون أو مغتربون . وترى في الضفة الأخرى من هم لم يعطوا الوطن شيء لكنهم انتهكوا فيه كل شيء ...

 أتساءل كل صباح حين استيقظ لما كل هذا الحب و التضحية لبلاد مثلها ؟ هل مفهوم الأخذ دون عطاء هي شكل من تعاريف الوطن ؟ ثم كيف نحدد إن كنا مواطنين صالحين حين نقبل بالعيش في بلاد أمضت التاريخ كله تمتهن لغة الحروب والتهجير ! 

في عبارة  أخرى لمكسيم غوركي الكاتب الروسي قال : إن الحمقى وحدهم يجدون الحياة بسيطة " فهل نحن نندرج تحت هذه العبارة  حين نجد الحياة البسيطة جدا بشكل مقيت شيء فاتن، نرى الجمالية في تشوهاتها ؟ ونشتاق لبؤسها الذي ما أن نفارقه ونكون في بلاد أكثر حياةً وأكثر ايماناً بحياة الإنسان، هل نحن حمقى بالقبول بالواقع كيفما كان ونطور قدراتنا لتعايش معه ومع الأزمات،  نقبل البديل دون اعتراض لأن الأساس معدوم بدلا السعي لايجاده  ؟

تكلف الحروب الكثير لشعبها ، وفي اليمن كلفت النفيس و الغالي، لكن يظل الصمود يواجهك حين تعبر شوارع البلاد، تجده مرسوماً في النظرات التي تصادفها الساعة السادسة صباحاً داخل باص مزدحم بالركاب، هذا الصمود الذي هو في الحقيقة استسلام و يأس يلوحان لك في كل الوجوه التي تعبرك .

كيف لنا أن نقدم من هذه القطعة التي أكلتها الصراعات وطن يحيى بالحياة،كيف لي أن أجيب على سؤال ماهو الوطن ؟ و  كيف لنا أن نقول أن مفهوم  الوطن شيء يصعب تعريفه . حدود تحافظ على حياتك وتوفر لك مستقبل يحمل انجازات عظيمة . 

في البحث  عن تعريف للوطن، الوضع أصعب هنا لمن هم هاجروا بعيدا وقطعوا مسافات طويلة لبلدان قد يكون أهلها لايعرفون أين هي اليمن ؟ كيف سيجيبون هؤلاء حين يسألون عنه؟ كيف يفكفكون أحجية الصراع السياسي والحرب القائمة والشعب العالق بين فكيها .. أرى الكثير يحاولون تبسيط المسألة لكنها أصعب من أن تبسط هي أعوام محفورة من الحرب، ومدن بهتت معالمها 


أنا التي قضيت حياتي كلها في الإغتراب، حين عدت إليه للإستقرار ظننت أنني بذلك أخلق معنى للوطن، كنت أفضل حظاً لأنني لم أعش ظروف الحرب والأزمات منذ بدءها، لكني أشهد ماخلفته الحرب ، أعيش القتال كل يوم وأنا أحاول الحفاظ على ماتبقى من حب الوطن بداخلي ... في الحقيقة حين تجتاز الحدود يغادرك بكل هدوء 
بريق الحياة، يصبح كل هذا الوطن باهت، شوقك الذي علقت به طوال غربتك يتناقص . 
هكذا يعصرك الواقع كل يوم و أنت تصادف قصص من فقدوا أحلامهم وأمالهم و أنفسهم داخل الحرب. 

 " لايعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن ، لايعرف الإنسان كيف يموت في هذا الوطن " نزار قباني .




  *كتب في قلب التعاسة -  صنعاء

السبت، 17 أكتوبر 2015

صنعاء و القصر غمدان .

أدى الإنتشار و التفخيذ لقبائل قحطان إلى تكوين بني قحطان من خلال أجيال كثيرة و فترة زمنية طويلة ، و قد عامر بنو قحطان خلال التكوين إخوانهم العرب من القبائل و منهم ( العمالقة و كنعان و أشوذ و لاوذ و فاران و أميم و عبد ضخم و بني مطر و غيرهم ..)
اقترن بداية العصر البرونزي بوحدة قبائل بني قحطان بزعامة يعرب يمن بن قحطان و كان من أعاظم الملوك كما ذكر ابن خلدون ، وهو الذي ملك بلاد اليمن و اسماها على اسمه يمن بعد التوحيد ، وغلب قوم عاد العمالقة في الحجاز و ولي جرهم بن قحطان  على الحجاز و حضرموت بن قحطان على جبال الشحر و حضرموت ، وعُمان بن قحطان على عُمان و سميت بإسمه . " وهم ليسوا أبناء قحطان مباشرين إنما هم من سلالته " 
ولي يعرب أخوته على جميع أعمال و مقاطعات اليمن الثلاثة عشر منهم أزال بن قحطان الذي قام ببناء مدينة أزال ، فبنيت على سفح جبل نُقم بين الجبلين نقم و عيبان . 
و تدل القرائن أن أزال أخو يعرب بن قحطان و بناها في أوئل الحضارة البرونزية و التي شهدت تطورًا هاما حيث أصبحت المدينة الثانية الرئيسة و مقرًا للملوك و تم تشيد البيت غمدان فيها و ذلك في عصر دولة سبأ الأقدم و ذكرت أزال في أنباء أربعة ملوك حكموا الألف الثاني ق.م. منهم : 

الملك وائل بن حمير : 
هو الملك وائل بن حمير بن عبدالشمس ملك سبأ ، قال ابن خلدون " مَلك عبد شمس و بنى مدينة سبأ و سد مأرب ، وهلك قبل أن يتم بناءه فأكمله بعده ابنه الملك حمير و حكم و قيل هو أول من تتوج بذهب ، ثم ملك بعده ابنه وائل بن حمير و تغلب على أخوه مالك بن حمير على عُمان ، و اتخذ الملك وائل مدينة أزال مقراً له و هو أول من فعل من الملوك ذلك . 
عاش النبي إبراهيم عليه السلام مدى عمر هؤلاء الثلاثة ( عبد شمس و حمير و وائل ) و يبدوا أن الملك وائل إنتقل إلى أزال بعد أن خرج عليه أخيه مالك ، فاتخذها مقرا لأنها في وسط اليمن و قاد منها الحرب ضد أخيه .. و كان الملك ابنه الضحكاك بن سكسك يحكم معه و نائب له . 

يقول الهمداني " مدينة صنعاء أم اليمن و قطبها لأنها في الوسط بينها و بين عدن كما بينها و بين حد اليمن من أرض نجد و الحجاز ، و كان اسمها أزال " 
و قد ولى الملك وائل ابن أخيه نجران بن زيدان على منطقة نجران و به سميت البلد كما يقول ابن خلدون . 



الملك الضحكاك بن سكسك بن وائل بن حمير : 
و هو الذي قام ببناء قصر غمدان البناء الأول ، و سماه على اسم كوكب الزهرة كما دلت النقوش ، قال ابن خلدون " قصر غمدان بن الضحكاك و حجت إليه الأمم " و قال الرازي أول حجر و ضع في غمدان بناه شراحيل الحميري و بنى القصر بعد آل شرح يخضب بألف عام . أصبحت أزال في عهد الضحكاك مدينة دينية و عاصمة و مقرًا لعبادة الآلهة مثل ( عثتار - و حوريس ) و كان غمدان آن ذلك دار عبادة .. مات الضحكاك و استمرت أزال مدينة رئيسية و مقرا للعبادة عدة قرون . 

الملك شداد بن شمس بن عاد بن الملطاط بن الضحكاك : 
جاء ذكر غمدان في عهد الملك شداد وكان من عظماء ملوك حمير و عاصر الحموراي ملك بابل و سار لمناصرته إلى بابل و أشور . يقول الهمداني : " عاد شداد و لم يدخل غمدان إنما اتجه إلى مأرب و بنى فيها القصر العتيق ، فلم يدع في اليمن من جواهر و عقيق و لا بأرض بابل و أرسل يجمع فجمع أنواع جواهر الدنيا من الذهب و الفضة و النحاس و الرصاص ، فبنى فيها و رصعه بجميع ذلك و جعل في أرضه زجاجا أحمرا و أبيض و جعل تحتها أسرابا أفاض إليها ماء السد ، فكان القصر لم يكن مثله في الدنيا .. ثم مات الملك و دفن في مغارة بجبل شبام . 

الملك الحارث بن الرائش بن آل شداد : 
جاء ذكر غمدان و مدينة أزال في عهد الملك الحارث و هو أول ملوك سبأ التتابعة و كان في عصر النبي موسى عليه السلام ، و جاء ذكر أزال في عهد الملك أنه سار يغزوا من أزال الترك في الشام و مايليها من بلاد الترك إلى ان بلغ بنات نعش في أرمينية و ذلك في عصر موسى عليه السلام، ثم مات و حكم بعده ابنه ذي المنار و بعده ابنه ذو الأذعار بن ذي المنار ثم أخوه الملك أفريقيس بن ذي المنار إلى أن انتهت مدينة أزال كمدينة دينية سياسية بسبب تحولات سياسية في نهاية العصر السبئي و مالبثت أن تأسست مدينة صنعاء بدلاً عن أزال ، و ارتفع مكان معبد غمدان و أصبح قصراً عظيم . 

**

بنى مدينة صنعاء الملك هلك أمر بن كرب ملك سبأ و ذي ريدان ، و قد ذكر ترتيبه قبل الملكة بلقيس و زمن سليمان و بينت النقوش الأثرية الآتي : 
أن مدينة أزال انتهت و تعرضت للدمار بسبب التحولات السياسية و الدينية ، وبصفة التحول من عبادة الآلهة السابقة إلى الإله ( إلمقه) حيث بدأ العصر الثاني لملوك سبأ التتابعة و الذي يحمل ملوكه في نقوش السند معبد أوام ( حرم بلقيس ) و معبد باران ( عرش بلقيس ) لقب ملك سبأ و ذي ريدان و قد كان أولهم زمر علي وتار يهنعم بن سمهعال ثم زمر علي ثم كرب و ابنه هلك أمر 
قام الملك هلك أمر بإختطاط صنعاء و بناءها مكان مدينة أزال و أسكن صنعاء قبائل سبأ  و هو أيضا أول من شرع في تشييد قصر غمدان بعد بنائه القديم ، و هو الذي سمى صنعاء بإسمها صنعان أو صنعن .
ذكر الهمداني أن آل شرح يخضب سيد قصر غمدان ، و كان القصر بناء واحداً فقام ببناء تعلية قصر غمدان حتى أصبح قصرا عظيما ، جاء في عدد الطوابق و ارتفاعه ثلاثة أقوال جميعها صحيحة : 
أنه كان سبعة سقوف في عهد هلك أمر إلى عهد بلقيس ثم قام آل شرح بتجديد ذلك و تعلية غمدان عشرة أسقف ثم جرى بعد ذلك تعلية غمدان عشرين سقف . 


جاءت الزيادة التي تمت بعد ذلك لم تكن في القصر و إنما إلى جواره بحيث صار غمدان عدة قصور و مباني جميعها في فناء واحد .. ويمكن القول أن الملك شعرام أوتر قام ببناء في غمدان إلى جوار القصر واستمر ذلك في عصور تالية حيث أصبح غمدان يضم القصر و عدة مباني و مساكن في فناء واحد . وآخر مابني في غمدان قصرا زجاجي و قد بناه أسعد الكامل وهو أسعد الثاني . 
كان آخر ملك أقام في غمدان هو " يوسف أسار ذو النواس " حكم عام 515م و حكم بعده الملك سُميفع ذو الكلاع و يزن . و انتهى عهده بالغزو الحبشي المدعوم من الرومان . وهدم إرباط الحبشي جانيا كبير من القصر أثناء المقاومة في الحرب . 

يقول ابن هشام : " بينون وغمدان من القصور التي هدمها إرباط الحبشي و التي لم يكن لها مثيل " 
و يقول ابن خلدون : " قسما من غمدان بقى شامخ . فلما قضى الملك سيف بن ذي يزن على الأحباش استقر في غمدان " 



و للحديث بقية . 

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

تاريخ أُم اليمن صنعاء . -1-

صنعاء كانت و مازالت المدينة الشهية للباحثين عن تاريخها ، فتناول الكثيرين في ذكر أخبارها في الكتب ، وتناقلت الروايات  و الأساطير حولها .. بعضها ما هو صحيح وثبتت صحته في النقوش التي وجدت و تعود للحضارات و العصورة التليدة . 
هنا سأطرح بعض مما قرأته من كتاب للمؤرخ اليمني محمد الفرح عكفت على قراءته و تحدث عن بدء التكوين منذ العصر الحجري حتى زمن الملك سيف بن ذي يزن ، و يطول الحديث عن ذلك  و سأختصر بعض ما جاء لذا وجب تقسيمه لسلسلة تدوينات تتناول بالترتيب الأحداث لتاريخ صنعاء القديم .. 


تعد مدينة صنعاء من أقدم المدن على وجه الأرض ، أقيمت هذه المدينة على أنقاض مدينة أزال التي بناها (أزال بن قحطان بن هود عليه السلام ). و استمرت أزال زهاء أربعة آلاف و كانت اول مدينة اختطت باليمن وبنتها عاد ، ثم حلت محلها وبنيت صنعاء على يد الملك ( هلك أمر كرب ملك سبأ و ذي ريدان ) و سميت منه . و كانت مدينة أزال ثاني مدينة رئيسية في اليمن في الألف الثاني ق.م. حيث جاء ذكرها في أنباء خمسة ملوك بكتب التاريخ منهم الملك ( الضحكاك بن سكسك ) و الذي ذكره ابن خلدون أنه من بنى قصر غمدان في صنعاء 

جاء تأسيس صنعاء في اسطورة أن بناها هو سام بن نوح ، و كون صنعاء أقدم مدينة في الأرض يتحقق ببناء أزال بن قحطان اياها و يرى في أصل القول بتأسيس سام بن نوح لمدينة صنعاء هو أن سام بن نوح و اللذين معه من أبناء سام استقروا في صنعاء و لم تكن في ذلك الزمن مدينة ، و إنما استقروا في كهوف و سفح جبل نُقم فكان سام بن نوح و اللذين معه سكنوا الكهف في العصر الحجري و زمن سام يعود إلى ما قبل الألف العاشر ق.م و هو زمن سابق لتأسيس المدن في تاريخ الإنسانية 
و يذكر  مسيرة الحياة الإنسانية في اليمن قد تواصلت في العصر الحجري ، ثم انتقلوا إلى عصر الحضارة الزراعية و تربية و استخدام الحيوانات و تأسيس القرى و التجمعات السكنية ، حيث دلت الدراسات أنه كان يسود الجزيرة العربية مناخ دافىء تكثر فيه الأمطار ، و هناك دلائل على أن الماشية بما فيها الجاموس و المعز و الشاة قد دجن و استخدم إقتصاديا في اليمن قبل أن تدجن و تسخدم في العراق و مصر ، و بذا يكون العرب اللذين اطلق عليهم ساميون أول من أخترع الزراعة التي تعتمد على الري و أول و أقدم من مارس الفلاحة و الزراعة ، فالعرب إذا هم أول من أسسوا الحضارة الإنسانية في أقدم مراحلها . 

كان سكان اليمن أنذاك هم من قبيلة عاد و إخوانهم من قبائل العرب العاربة السامين الاوائل و قد سماهم ابن خلدون الطبقة الأولى من العرب العاربة و قال عنهم :" هذه من أقدم الأمم بعد قوم نوح و أعظمهم قدرة و أشدهم قوة و أول أجيال العرب " و هؤلاء العرب شعوب كثيرة منهم ( عاد - ثمود - أميم - العمالقة - عبد ضخك - جرهم -حضرموت -حضور - السلفات .. ) و كانت حضارة عاد أقدم الحضارات الإنسانية بعد طوفان نوح عليه السلام ، و بعث الله لهم النبي هود عليه السلام و هو والد قحطان  ولما أهلك الله عاد نجا هود و اللذين معه و ابنه قحطان و مات النبي في شرق وادي حضرموت 
و قد انتقلت تلك الأمة إلى حضارة الزراعة بزعامة قبيلة عاد ، يقول  ابن خلدون : " عاد هم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام و كانت مواطنهم باحقاف الرمل و رمال الأحقاف بحضرموت و هي جبال في اليمن بين عُمان و حضرموت و جاء في الاكليل أن قبيلة عاد ملأت جانبًا من الأرض و تفخذت و صارت إحدى عشر قبيلة  و كانت عاد زعيمتهم . 



كانت هذه القبائل الثلاث المنحدرة من قحطان تقيم في المقاطعات ومنها حضرموت و التي سميت البلاد بإسمها ، و أوفير وتسكن مرفأ بحري قديم و حويلة و المراد بها بلاد الأحقاف و قبيلة شيبأ وهي سبأ التي تنسب إليها الدولة السبئية و إنتشرت من المخأ إلى ظفار شرق عُمان . 




يتبع ماتبقى في جزئية أخرى ............