هل يكفي حبك لبلادك أن يجبر فيه الكسور ؟ أن يصنع له الإنتصارات والتقدم لمواكبة هذا العالم الذي يسحق في الحقيقة بلادك ويسحقك معه لأنك مواطنا له ؟
قال أمين معلوف : الوطن الذي بوسعك العيش فيه مرفوع الرأس، تعطيه كل
مالديك ويجعلك تضحي من أجله بالنفيس و الغالي حتى بحياتك ، أما الوطن الذي تضطر
فيه للعيش مطأطىء الرأس فلا تعطيه شيئا "
في اليمن قد تحمل هذه العبارة وجهان متناقضان، فرغم وسعة البؤس الذي خلفته
الحرب و الأزمات التي أنجبت الفقر، التهجير، التشرد وبعثت سياسة القمع والرجعية
والإعتقال، ومحاربة كل صوت هو ضد الآخر .. إلى أنك حين تقضي الحياة في اليمن ترى
بها العجب الذي يجعل الدهشة لا تفارق تفكيرك حين تشهد على الواقع ومعايشة الناس له
وحبهم الكبير لهذه البلد التي تقطع عليهم طريق الأمل، ولم تقدم لهم أي إمتيازات إن كانوا
مواطنون أو مغتربون . وترى في الضفة الأخرى من هم لم يعطوا الوطن شيء لكنهم
انتهكوا فيه كل شيء ...
أتساءل كل صباح حين استيقظ
لما كل هذا الحب و التضحية لبلاد مثلها ؟ هل مفهوم الأخذ دون عطاء هي شكل من
تعاريف الوطن ؟ ثم كيف نحدد إن كنا مواطنين صالحين حين نقبل بالعيش في بلاد أمضت
التاريخ كله تمتهن لغة الحروب والتهجير !
في عبارة أخرى لمكسيم غوركي الكاتب الروسي قال : إن الحمقى وحدهم يجدون الحياة
بسيطة " فهل نحن نندرج تحت هذه العبارة حين نجد الحياة البسيطة جدا بشكل مقيت شيء فاتن، نرى الجمالية في تشوهاتها ؟ ونشتاق لبؤسها الذي ما أن نفارقه ونكون في بلاد أكثر حياةً وأكثر ايماناً بحياة الإنسان، هل نحن حمقى بالقبول بالواقع كيفما كان ونطور قدراتنا لتعايش معه ومع الأزمات، نقبل البديل دون اعتراض لأن الأساس معدوم بدلا السعي لايجاده ؟
تكلف الحروب الكثير لشعبها ، وفي اليمن كلفت النفيس و الغالي، لكن
يظل الصمود يواجهك حين تعبر شوارع البلاد، تجده مرسوماً في النظرات التي تصادفها الساعة السادسة صباحاً داخل باص مزدحم بالركاب، هذا الصمود الذي هو في الحقيقة استسلام و يأس
يلوحان لك في كل الوجوه التي تعبرك .
كيف لنا أن نقدم من هذه القطعة التي أكلتها الصراعات وطن يحيى بالحياة،كيف لي أن أجيب على سؤال ماهو الوطن ؟ و كيف لنا أن نقول أن مفهوم الوطن شيء يصعب تعريفه . حدود تحافظ على حياتك وتوفر لك مستقبل يحمل انجازات عظيمة .
في البحث عن تعريف للوطن، الوضع أصعب هنا لمن هم هاجروا بعيدا وقطعوا مسافات طويلة لبلدان قد يكون أهلها لايعرفون أين هي اليمن ؟ كيف سيجيبون هؤلاء حين يسألون عنه؟ كيف يفكفكون أحجية الصراع السياسي والحرب القائمة والشعب العالق بين فكيها .. أرى الكثير يحاولون تبسيط المسألة لكنها أصعب من أن تبسط هي أعوام محفورة من الحرب، ومدن بهتت معالمها
أنا التي قضيت حياتي كلها في الإغتراب، حين عدت إليه للإستقرار ظننت أنني بذلك أخلق معنى للوطن، كنت أفضل حظاً لأنني لم أعش ظروف الحرب والأزمات منذ بدءها، لكني أشهد ماخلفته الحرب ، أعيش القتال كل يوم وأنا أحاول الحفاظ على
ماتبقى من حب الوطن بداخلي ... في الحقيقة حين تجتاز الحدود يغادرك بكل هدوء
بريق الحياة، يصبح كل هذا الوطن باهت، شوقك الذي علقت به طوال غربتك يتناقص .
هكذا يعصرك الواقع كل يوم و أنت تصادف قصص من فقدوا أحلامهم وأمالهم و أنفسهم داخل الحرب.
" لايعرف الإنسان كيف يعيش في هذا الوطن ، لايعرف الإنسان
كيف يموت في هذا الوطن " نزار قباني .
*كتب في قلب التعاسة - صنعاء -